نعمة الأمن وأثرها في استقرار المجتمع

نعمة الأمن وأثرها في استقرار المجتمع

بقلم : دكتور/ عبدالرحمن حماد الأزهري

إن استقرار المجتمع المسلم لا يمكن أن يتحقق إلا تحت ظل الأمن والأمان ، تلك النعمة التى يبحث عنها الكثير ويطلب ودها الصغير والكبير ، فبها يهنأ الإنسان ، ويكون نهاره معاشاً ونومه سباتًا وليله لباسًا ، ويجد المسلم من خلالها لذة العبادة، ويذوق طعم الطاعة ، فتعمر المساجد وتقام الصلوات ، وتحفظ الأعراض ، وينتشر الخير، ولذلك كان أول أمر طلبه إبراهيم عليه السلام من ربه هو أن يجعل هذا البلد آمناً ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ” سورة إبراهيم 35 ، وفي آية أخرى قدَم عليه السلام في ندائه لربه نعمة الأمن على نعمة العيش والرزق فقال : ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ” سورة البقرة 126

ولأهمية هذه النعمة كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر جديد ورأى هلاله سأل الله أن يجعله شهر أمن وأمان، وقال : ” اللهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالْإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ “…أخرجه أحمد .

وفي الحديث الآخر يذَكر صلى الله عليه وسلم الناس بهذه النعمة فيقول: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»: ” .. أخرجه الترمذي.

والإسلام يعتبر الأمن من أعظم نعم الله على الإنسان ؛ لهذا اهتم بالمحافظة عليه غاية الاهتمام فنهى عن كل ما يخل بالأمن مهما كان أمرًا صغيرًا ، فقد نهى صلى الله عليه وسلم المسلم أن يروع أخاه المسلم فقال بأبي هو أمي : ” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا” أخرجه أبو داود … وقال صلى الله عليه وسلم : ” لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا”  أخرجه أبو داود

ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالأمن؛ مراعاته لأحوال الناس في حالة فقدان الأمن أو اختلاله، حيث خفف عنهم بعض التكاليف الشرعية وعلى رأسها الصلاة ، فشرع للخائف صلاة الخوف فأباح له أن يصلي على حسب حاله، حتى إنه يجوز له الصلاة إلى غير القبلة وترك الركوع والسجود والاستعاضة عنهما بالإيماء إذا اضطر إلى ذلك.، والإسلام في سموه وعظمته يأمر بحفظ الأمن حتى لغير المسلمين كأهل الذمة والمستأمنين ، وقد بلغ ذلك مبلغاً عظيماً في الإسلام يدل على ذلك ما جاء في الخبر: أن زيد بن سعنه وكان من أحبار اليهود ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطالبه بدين له لم يحل أجله فجذب النبي من ثوبه وأغلظ له في القول فنهره عمر رضي الله عنه وهدده بالقتل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبسم ويقول لعمر: أنا وهو كنا أحوج لغير هذا ، يا عمر كنا أحوج أن تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي.

بل إن الإسلام لشدة اهتمامه بتوفير الأمن والطمأنينة للناس لا يمانع من عقد اتفاقيات أو معاهدات دولية إلى أجل مسمى حتى مع غير المسلمين، طالما أن الهدف من هذه العهود والمواثيق والاتفاقيات هو إقامة الحق والعدالة ورفع الظلم عن المظلومين ، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حضر حلف الفضول الذي تعاقدت قريش عليه في الجاهلية وأثنى عليه فقال صلى الله عليه وسلم :” لَقَدْ حَضَرْتُ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا لَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ الْآنَ لَأَجَبْتُ “

وقيل لحكيم : أين تجد السرور؟ قال: في الأمن، فإني وجدت الخائف لا عيش له .
أيها القارئ الكريم إذا تأملت بعض البلاد التي نزع منها الأمن والأمان وعاش أهله في خوف وذعر ، وقلق واضطراب ، لا يهنئون بطعام ، ولا يتلذذون بشراب ، ولا ينعمون بنوم ، الكل ينتظر حتفه بين لحظة وأخرى ... ولعلك الآن عرفت أهمية هذه النعمة؟.