مواقف من التاريخ الإسلامي
أبو بكر الصّديق أول من آمن بالرسول صلى الله عيه وسلم من الرجال
بقلم : دكتور/عبدالرحمن حماد الأزهري
هو عبد الله بن أبي قُحافة عثمان بن كعب التيميّ القرشيّ، وأمّه هي سلمى بنت صخر بن عامر التيميّ، وُلِد قبل الهجرة بواحد وخمسين عاماً، وكان سيّداً من سادات قريش ومن أعرف النّاس بأنسابها، عُرف برجاحة العقل والحكمة حتى إنّه حرّم شرب الخمر على نفسه، كما رفض عبادة الأصنام في الجاهليّة، إذْ كان حنيفاً على ملّة إبراهيم عليه السّلام، وعَمِل في بيع الثياب، وتزوّج في بداية شبابه بقُتيلة بنت عبد العزّى، ثمّ تزوج من أمّ رومان بنت عامر بن عُويمر.، كان أبو بكر -رضي الله عنه- أوّل من صدّق الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وآمن به من الرّجال، فكان من أحبّ النّاس إلى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- فقال فيه: (إنَّ مِن أمَنِّ الناسِ علَيَّ في صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبا بكرٍ، ولو كنتُ مُتَّخِذاً خَليلاً غيرَ رَبِّي لا تَّخَذْتُ أبا بكرٍ، ولكِنْ أُخوَّةُ الإسْلامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المسجِدِ بابٌ إلا سُدَّ إلا بابَ أبي بكرٍ) ولقد أحبّ أبو بكر الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حُباً شديداً، ففي يوم الهجرة عندما بُلّغ أبو بكر -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ينوي مرافقته في هجرته فرح فرحاً شديداً حتى بكى فرحاً، وقالت عائشة رضي الله عنها: (فواللهِ ما شعَرْتُ قطُّ قبلَ ذلِكَ اليومِ أنَّ أحداً يبكي من الفرحِ حتى رأيتُ أبا بكر يومئذ يبكي)..
ولقد ضُرب بشجاعة أبي بكر وتحمّله للأذى في سبيل الله المثل، ففي يوم بدر جعل الصّحابة عريشاً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرادوا أن يجعلوا أحداً في حمايته من أذى المُشركين، فأقبل أبو بكر شاهراً سيفه حتى لا يقترب أحد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعندما اقترب القتل من النبيّ، صاح أبو بكر قائلاً: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله)، ثمّ وضع بردةً على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبكى خوفاً عليه حتى اخضلّت لحيته ، تولّى أبو بكر -رضي الله عنه- الخلافة بعد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سنة إحدى عشرة للهجرة، وبقي خليفةً للمسلمين قرابة سنتين وأربعة أشهر ، كان الصّديق -رضي الله عنه- من أخصّ الخواص والأصحاب لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قبل الإسلام، وحينما عرض عليه الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الرّسالة والتوحيد لم يتردّد بتصديق النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والدخول في الإسلام، ولم يكتفِ بذلك بل سارع إلى نشر دعوة الإسلام بنفس اللحظة التي تلقّاها من الرّسول، فأسلم على يده ستة من العشرة المُبشّرين بالجنّة مع غيرهم من الصحابة، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- من السّابقين لأعمال الخير بعمومها، فحين اشتدّ العذاب على المسلمين في بداية الدّعوة بسبب إسلامهم أعتق أبو بكر -رضي الله عنه- عشرين صحابيّاً، أنفق في ذلك أربعين ألف دينار، وكان أبو بكر في الهجرة رفيق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان نِعْم الرّفيق إذْ إنّه حماه بكلّ ما أوتي من قوّة وانتباه، فكان يمشي تارةً خلف الرّسول وتارةً أمامه ومرّةً عن يمينه وأخرى عن شماله، ولمّا دخلا الغار زاد حرصه على النبيّ حتى لا يُصيبه شيء يؤذيه، وعندما وصل المشركون إليهم، خاف أبو بكر على الرّسول، فقال له الرّسول مطمئناً: (ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما)، وبعد ذلك أتمّ أبو بكر مهمّته في حماية الرّسول حتى بلغ معه المدينة المنوّرة، وساهم أبو بكر مع الصّحابة في إعمار الدّولة الإسلاميّة في المدينة، وشارك مع الرّسول في كلّ المشاهد التي شهدها، وكلّفه الرّسول بعدّة مهمّات، منها: إمارته لبعثة الحجّ، وإمامة المسلمين في الصلاة أثناء مرض الرّسول عليه الصلاة والسّلام ، ثم بُويع أبو بكر خليفةً لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعد وفاته، حيث إنّه تحلّى بالحكمة والثبات على المبادئ من أوّل يوم في عهد الخلافة، فثبت يوم وفاة الرّسول -عليه السّلام- برغم الفاجعة وهول المُصاب، حيث كان الكثير من الصّحابة تخبّطوا من ذلك، كما أنّه ثبت على مبادئ الإسلام وأركانه، فكان قائداً عسكريّاً قويّاً ومُحنّكاً فدافع عن المدينة والدّولة ومقدّراتها ومكاسبها، ولم تمض أيام على وفاة الرّسول -عليه السّلام- حتى أرسل الجيوش لتثبيت جزئيّات الدّين التي أصبحت ممّا يتفاوض فيها من المرتدّين، ثمّ أُرسلت جيوش أخرى إلى أكبر إمبراطوريتان في العالم آنذاك؛ الفرس والرّوم، فكان ذلك تمهيداً لسقوطهما واختفائهما وكان من صفات التي اشتهر بها أبو بكر -رضي الله عنه- ورع أبو بكر وخوفه الشديد من الله تعالى، فذات مرّة دخل عليه عمر بن الخطّاب فوجده يجبد لسانه، فاستغرب عمر من ذلك وسأله، فأجاب أبو بكر قائلاً: (إِنّ هذا أوردني الموارد)، وروي عن أبي بكر أنّه رأى طيراً واقفاً على شجرة فقال: (طوبى لك يا طير والله لوددتُ أنّي كنت مثلك تقعُ على الشجرة وتأكلُ من الثمر ثمّ تطير وليس عليك حساب ولا عذاب ). حرص أبو بكر على الطاعات ومسارعته إليها، فقال عنه عليّ رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلّا سبقنا أبو بكر إليه). جَمْع القرآن الكريم، إذْ لم يكن القرآن الكريم مجموعاً في مصحف واحد، بل كان متفرّقاً كلّ سورةٍ أو جزء منها في مجموعة أوراق، وبعدأن استشهد الكثير من الصّحابة وحفظة القرآن في حروب الرّدّة اقترح عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- على أبي بكر أن يُجمع القرآن بين لوحين حفظاً له فتردّد ثمّ انشرح صدره، وبدأ باختيار الصّحابة الذين سيوكّل لهم هذه المهمّة العظيمة، فاختار على رأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه ، وتوفّي أبو بكر الصديق رضي الله عنه سنة 13 للهجرة، ودُفن بجوار الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وكان له من الأولاد: عبد الله وعبد الرحمن ومحمّد وأسماء وعائشة وأمّ كلثوم .