“من فضائل مصر في القرآن والسنة “
بقلم : د/عبد الرحمن حماد الأزهري رئيس قسم السيرة والتاريخ الإسلامي
ذكر الله تعالى مصر في أربعة مواضع من القرآن الكريم، وفي ذلك تشريف لها وتكريم، قال الله تعالى : “وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ”، وقال سبحانه: ” ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ” ، وقال أًصدق القائلين: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا”، وقال عز وجل قاصّاً قول فرعون: ” أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ”، فهذه الآيات القرآنية ذكرت مصر صراحةً،وأنّ الله تعالى حباها بنعمة الأمن والأنهار والحضارة، كما أن القرآن الكريم ذكر مصر إشارةً وتلميحا في مواضع عديدة تبلغ قرابة الثلاثين، ومن ذلك قوله تعالى: “وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا “، وقوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” ، وفيه إشارة إلى كثرة خيرات مصر وطيب أرضها، يقول الكندي: لا يعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله تعالى عليه في القرآن الكريم بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.
وأما عن فضائل مصر في السنة النبوية فقد وصّى رسولنا صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيراَ، فقال: “إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمةً ورحماً”، والذمّة :الحرمة والأمان، والرَّحم لأنّ السيدة هاجر أمّ إسماعيل عليه السلام كانت من قبط مصر، وجاء الحديث بلفظ آخر”فإنّ لهم ذمّة وصهرا” والصهر لأنّ مارية القبطية أمّ ابراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت من قبط مصر، ولذلك يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: “قبط مصر أخوال قريش”، ويكفي أهل مصر شرفاً وفخراً سكنى الأنبياء بين ظهرانيهم ومرورهم بأرض مصر الطاهرة، فإبراهيم الخليل عليه السلام جاء مصر في رحلته مع زوجته سارة، ودخلها يعقوب عليه السلام ودخلها الأسباط مراراً وتوفوا ودفنوا بها، بل إنّ نبي الله يوسف عليه السلام نال بمصر من المكانة ما لم ينله أحد من الأنبياء والمرسلين، كذلك موسى وهارون عليهما السلام وُلدا في مصر وعاشا فيها طويلاً، وجرى عليهما في أرض مصر الكثير من الأحداث العظام، لعل من أجلّها انشقاق البحر لموسى عليه السلام وكلم الله تعالى موسى على جبل الطور من سيناء المباركة، وغيرها من الأحداث التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم.
وأما عن فضائل أرض مصر وسكانها فكثيرة، ففيها الوادي المقدس “طوى”، والجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام، وفيها الجبل الذي تجلى الله تعالى له فصار دكاَ، وأرض مصر هي المبوأ الصدق الذي أخبر الله تعالى عنه في قوله تعالى: “وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ” قال الإمام القرطبي في تفسيره “المبوأ صدق” أي منزل صدق مختار يعني مصر، ولعل من أجل نعم الله تعالى على أرض مصر وأهلها “النيل المبارك” الذي ينبع أصله من الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره “النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة”، كما يوجد في أرض مصر المباركة “الربوة” التي آوى إليها عيسى بن مريم وأمه، والمذكورة في قوله تعالى: “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ” فقد ذكر ابن وهب وغيره أنّ مكان الربوة هو مصر، ولعل من أكبر الفضائل التي اختص بها أهل مصر استجابتهم لرسالة رسول صلى الله عليه وسلم التي بعث بها مع الصحابي حاطب بن أبي بلتعة والتى سلمها إلى المقوقس عظيم القبط في مصر سنة 7 هـ، فقد استجاب أهل مصر للإسلام قبل الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص في عام 20 هـ، وحدثت هناك محاورة بين حاطب بن أبي بلتعة والمقوقس كانت نتيجتها الاعتراف بمبادئ الإسلام وبكل النبوات والكتب والرسالات السماوية حتى إنّ المقوقس أحبّ شخص النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره من قبل، وأرسل إليه بهدية عبارة عن بغلة وعسل وجاريتين، كانت إحدى الجاريتين مارية القبطية التي تسرى بها الرسول صلى الله عليه وسلم فشرف أهل مصر بهذه المصاهرة وهي من دواعي فخرهم على مر الزمان والأيام.