معالم أمن المجتمع في دعاء إبراهيم-عليه السلام-
بقلم : د. محمدي حضيري الأزهري
بعث الله الأنبياء-صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-برسالات تحفظ للوطن والمجتمع أمنه وسلامته، تحفظه من الإرهاب والتطرف، وتبنيه على الوسطية والتسامح، ولأهمية الأمن وضرورته للمجتمع خصه الأنبياء بالدعاء وطلب تحقيقه من الله-سبحانه وتعالى-، وهذا نبي الله إبراهيم-عليه السلام-يضع بين أيدينا النموذج ليعلمنا أهمية الأمن للأوطان، وخطورة الإرهاب والتشدد عليها، ومن هنا عرض القرآن الكريم هذه الصورة عرضا واضح الدلالة على ذلك.
يقول تعالى: “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا”(سورة البقرة الآية 126)، ويقول-سبحانه وتعالى-على لسان إبراهيم مرة أخرى: “رب اجعل هذا البلد آمنا”(سورة إبراهيم الآية35) “فاجعل أفئدة الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون”(سورة إبراهيم الآية37)، ويقول على لسانه-عليه السلام-كذلك: “ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين”(سورة إبراهيم الآية41) “واغفر لأبي إنه كان من الضآلين”(سورة الشعراء الآية86)”قال سلام عليك سأستغفر لك ربي”(سورة مريم الآية47)، ويقول-سبحانه-: “يجادلنا في قوم لوط& إن إبراهيم لحليم أواه منيب”(سورة هود الآية74.75) “وقال إن فيها لوطا”(سورة العنكبوت الآية32)، ويقول تعالى: “واجعل لي لسان صدق في الآخرين”(سورة الشعراء الآية84) “وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون”(سورة الزخرف الآية28).
ونحن عندما نتعامل مع هذه الحقائق القرآنية نرى أن طلبات إبراهيم من ربه في دعائه حول أمن المجتمع جاءت على النحو التالي:
-طلب أمن الوطن والمجتمع، وهو المشار إليه بكلمة(بلد)وهذا في بداية إنشاء المجتمع عندما ذهب إلى مكة وأسكن فيها من ذريته زوجه وابنه إسماعيل-عليه وعلى أبيه ورسولنا الصلاة والسلام-والمشار إليه كذلك بكلمة(البلد)أي أنها أصبحت معهودة ومأهولة بالسكان فجدد الطلب بزيادة الأمن الذي يناسب الحالة السكانية المتعددة الجديدة حيث كثوة المطالب والمشاكل.
ولذلك طلب الثمرات لتحقيق الكفاية من المواد الغذائية، وطلب الماء عندما وصف المكان بالوادي وليس بالبلد، وبغير ذي زرع أي أنه ليس به ماء وكل مجتمع يحتاج إليه الماء إذ هو ضرورة أولى في سلم أولويات الحياة عموما، ثم حقيقة التواصل مع الآخر عندما قال وطلب أن تجعل أفئدة الحب والتسامح تهوى أي تذهب إلى هذا المجتمع الجديد، وجمع-عليه السلام-بين (أفئدة وتهوى) إشارة إلى أثر التواصل مع الآخر في تحقيق أمن (المجتمع) وخصوصا إذا جمع بين التفاهم والتسامح والحب والمودة، ويلاحظ أن إبراهيم-عليه السلام-قد استفاد من التعديل الإلهي له في الدعاء الأول المتعلق بإنشاء المجتمع الجديد حيث علق وقصر الرزق من الثمرات على أهل الإيمان بفكره ورسالته، فعدل الله له وعقب وأدخل غير المؤمنين في الرزق (قال ومن كفر فأمتعه قليلا) فله حق في الحياة، وحق في المال، وإلا فكيف تدعوه يا إبراهيم إذا مات من العُدْم.
ولذلك في الدعاء الثاني قال: “وارزق أهله من الثمرات لعلهم يشكرون”، ثم أعلن أنه استفاد من هذا التوجيه الإلهي عندما قال: “ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن”(سورة إبراهيم الآية38)فلهم ما لنا وعليهم ما علينا ولكن المجتمع والرزق بيننا وبينهم سواء، وتلك حكمتك في الابتلاء.