ما هو الفرق بين التيسير في الفتوى والتساهل؟
د/ عبد الرحمن حماد الأزهري
لقد ورد عن أهل العلم ذم التساهل في الفتوى، وكثيرًا ما يلتبس الأمر على بعض الناس حتى يتخذوا مِن ذم العلماء للتساهل وتحريمه ذريعةً لذم مراعاة التيسير في الفتيا، وفي هذا خلط بين أمرين مختلفين تمامًا في خصائصهما وأحكامهما، فهناك فرق كبير بين التساهل والتيسير، وكما ورد عن العلماء ذم التساهل في الفتوى ورد عنهم أيضًا استحسان التيسير على الناس والتماس المخرج الشرعي لهم مما يشق عليهم التزامه، فالعلماء يفرقون بين الأمرين في الاصطلاح وإن تقاربا من حيث اللغة، قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط [1/ 499- 500، ط. مؤسسة الرسالة- بيروت]: «اليُسْرُ: ضدُّ العُسْرِ. وَتَيَسَّرَ واسْتَيْسَرَ: تَسَهَّلَ. ويَسَّرَهُ: سَهَّلَهُ، يكونُ في الخَيْرِ والشَّرِّ… والتَّياسُرُ: التَّساهُلُ» ا.هـ.
والتيسير في الشريعة هو: تشريع الأحكام على وجه روعيت فيه حاجة المكلف وقدرته على امتثال الأوامر واجتناب النواهي مع عدم الإخلال بالمبادئ الأساسية للتشريع. انظر: [مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية لكمال جودة أبو المعاطي ص7، بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الأزهر، القاهرة، عام 1975م].
فالفتوى هي تبيين لحكم الشرع في حادثة ما لمن سأل عنه، وهذا التبيين لا بد أن يكون صادرًا عن دليل معتبر شرعًا.
وقد وردت في كتاب الله تعالى وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نصوص صريحة تدل على أصالة التيسير في الإسلام، وتنفي أن يكون العسر أو الحرج أو الإضرار بالمكلفين مقصدًا شرعيًّا، بالإضافة إلى أن المكلفين مأمورون بالرفق والتيسير على النفس وعلى الغير، وأولى الناس بذلك هم العلماء؛ لأنهم المبلغون عن الله شرعه، وهم من يهرع إليهم الناس إذا نزلت بهم نازلة لمعرفة حكم الله فيها وما ينبغي عليهم أن يفعلوه.
والله تعالى يقول: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، قال الخازن في تفسيره [1/ 156، ط. دار الفكر- بيروت] : «أي قد نفى عنكم الحرج في أمر الدين، قيل: ما خُيِّر رجل بين أمرين فاختار أيسرهما، إلا كان أحب إلى الله تعالى» اهـ. ويقول عز وجل: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا)).
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((بعثت بالحنيفية السمحة ومن خالف سنتي فليس مني».
أما (التساهل في الفتوى) فمعناه: أن يعجل المفتي فيفتي من غير نظر، أو بغير تثبت واستجماع للمصادر، أو أن يبادر إلى الفتوى لهوى في نفسه، أو يتبع الحيل المحرمة أو غير ذلك، فهذا الفعل لا خلاف في حرمته.
ومما سبق: يتجلى أن ثمت فارقًا جوهريًّا بين التساهل والتيسير في الإفتاء، فالتساهل ينشأ عن فوضى وتقصير في البحث، وهو نوع من الاستهتار والتلاعب؛ ولذا فحكمه الحرمة، بينما التيسير ينشأ عن رسوخ في العلم، وإدراك لمقاصد الشريعة وأدلتها وطرائق الترجيح بينها، وعن دراية بأحوال الناس وحاجتهم وواقعهم، فالتيسير نوع من إعمال القواعد العلمية المدروسة والمقننة بعناية من قِبل علماء الإسلام وأئمة الفقه، ولهذا فلا يخرج حكمه عن الندب أو الوجوب بحسب ما يقتضيه الواقع. والله تعالى أعلى وأعلم.