قبس من السيرة العطرة
بقلم : د / عبدالمحسن جمعه الأزهري
إنها حادثة عارضة تحدث مثيلاتها في بيوت كثير من المسلمين ، لكن هذه الحادثة توقف أمامها القرآن الكريم , لما فيها من الدروس والعبر التي ينبغي ألا تفوت المسلم والاستفادة منها . إنها حادثة الظهار ( وهي أن يحرم الرجل زوجته عليه كحرمة أمه ) وصاحبا هذه الحادثة هما أوس بن الصامت ، وزوجته خولة بنت ثعلبة رضي الله عنهما حيث غاضب أوس زوجته فظاهر منها .
وهنا نقف أمام تصرف السيدة خولة رضي الله عنها , فأول ما فعلته أنها ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله وتشكو إليه زوجها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو مرجعية المسلمين وقتها . أما من بعده فينبغي أن يكون الشرع هو مرجعيتنا جميعا في كافة أمورنا .
فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها قد حرمت عليه , فجعلت تراجعه في شأن أطفالها , وأنهم صبية صغار إن ضمتهم إليها جاعوا , وإن ضمتهم إلى زوجها ضاعوا , بربها هذه المرأة الفاضلة في أية كلية تعلمت أم من أية أكاديمية تخرجت , أن تفهم هذا الفهم الدقيق لرسالتها كأم, وظيفتها الأساسية التي تأتي من بعدها كل المهام أن ترعى أولادها وتربيهم التربية القويمة, فالأولاد بدون رعاية أمهم في ضياع.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليّ في أمرك شيئ . فقالت : يارسول الله يوحى إليك في كل شيئ إلا في هذا ! إلى الله أشكو, فما برحت أن نزل في شأنها قرآن يتلى إلى يوم القيامة . فما كان الله ليسمع شكوى امرأة ضعيفة تستغيث به ثم لا يغيثها , وكان الحكم النازل فرجاً لها ولمن هن في مثل حالها إلى يوم القيامة , وتأديبا لبعض الرجال الذين يتعسفون في أمر قوامتهم على زوجاتهم .وتصف السيدة عائشة الموقف فتقول : سبحان من وسع سمعه الأصوات , إن المجادلة جاءت تكلم رسول الله في أمرها وإني لفي جانب من الحجرة وأنه ليخفى علي بعض حديثها . وفي قول السيدة عائشة هذا ما يدل على مراعاة تلك المرأة خصوصية زوجها , وحفظ سر بيتها فلم تشأ أن تشهر بزوجها بحجة أنها مظلومة تدافع عن حقها , كما يفعل البعض عند الخصومة . رضي الله عن الصحابة الكرام , وجمعنا بهم في الجنة