في ميزان الأخلاق

في ميزان الأخلاق

بقلم : دكتور/ محمد خالد فؤاد الأزهري

في حوار قديم بين المتكلمين في علم الكلام ناقشوا مسألة عصمة الأنبياء وقد اتفقوا على أنهم معصومون من ارتكاب المعاصي كبيرها وصغيرها… بل ومعصومون أيضاً من كل مآخذ وأخطاء تزيل الحشمة والوقار والمهابة وسقوط المروءة حتى أنهم معصومون من شبهات الأخطاء التى تصل بالإنسان إلى اتهام غير بالشبهة.. كلام عريض وكبير وكثير ومتسع الأركان لكن نحن المسلمين لسنا في ريبة أوشك من كل هذا لأنهم أنبياء وأصحاب رسالات وغايات شريفة مرسلة من لدن رب العالمين.

المشكلة الآن تكمن في انتشار فكرة الكبائر والصغائر بين الناس، فهم يعرفون الكبائر بالزنا والخمر والربا والقتل وسفك الدماء، وهذه الكبائر قد تعظم في نفوس أهل التقوى فلا ياتي في نفس أحدهم ارتكاب مثل هذه الجرائم الكبيرة والتي على رأسها الإشراك بالله .. وقد كتب الذهبي كتاباً في الكبائر تناول فيها الإشراك بالله، وقتل النفس والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات وغير ذلك من الكبائر المعروفة.. والاحصائيات التي تجري على مستوى العالم تبين أن العالم الإسلامي هو أقل الشعوب ارتكاباً للكبائر مثل الزنا أو الخمور.. وغير ذلك.. ومع هذا تراجعت أخلاق المسلمين وبدت فيهم أنماط الخيانة والخسة والتآمر ضد الآخرين والغدر والطعن في السير.. والغريب أن تنتشر معدلات هذه الجرائم الخلقية تحت اسم ديني فالخديعة والغدر بالآخرين يسمونه الحذر والاحتياط، والتآمر ضد الآخرين يسمونه اجتماع على الحق ضد الباطل.. والمراوغة والنفاق لهم مسميات أخرى.. حتى الرشوة يسمونها مساعدة من الآخرين على متاعت الحياة وغير ذلك من الجرائم الخلقية.. والآن.. هل يمكن لأي مولوي أن يقول أن هذه الجرائم من الصغائر؟! إن هذه الجرائم نزلت بالمجتمع المسلم إلى القاع وبلغت بهم أنه لايوجد شخص يثق بالأخر، وبلغت بهم إلى حد ضياع الأمانات، وفقر الرجولة والصراع حول المنصب والتكالب عليه مثل الكلب يأكل الميتة في الطريق العام أو خلف الأسوار.. لماذا لم يتغير خطاب العلماء للناس ويفهمونهم أن هذه الجرائم أصبحت كبائر مع الإصرار وإذا التبس الأمر على العلماء ولم يعرفوا أهي كبائر أم لا؟! فلينظروا إلى النتائج التي وصلنا إليها في مجال الأخلاقيات، وهذه المكانة بالطبع لها تأثير على الحياة الخاصة والعامة.. فقد نجد غدراً في الحياة الزوجية زوجة قد تخون زوجها، وزوج قد يتلاعب  ويأخذ مال زوجته ويهرب، أو يتزوج بما زوجته الأولى زوجة أخرى!! ونسمع عن خلافات بين الأخوة أمام القضاء حول المواريث.. وعن عقوق الوالدين نسمع كل يوم قصصاً تحزن .. وعن الأمانات فلانجدها .. إن ميزان الأخلاق عند المسلمين مختل وليس مضبوطاً كما أنزل الله في نفس الإنسان وفي فطرته التي خلقها الله فيه. إن هناك خلل أو خطأ يقع من المسلمين -والعلماء  مسؤلون عنه – هو الاستهانة بالأخلاق وعدم الاعتبار لها وعدم الاهتمام بها.. أن الأظماع أكلت حسنات الناس كما تأكل النار الحطب.. والتراجع والعودة مطلوبة للجميع .. لقد جاء الوقت لكي يغلق المسؤل أذنه عن مسامع الوشاة والموقعين بين الناس الذين يمشون بين الناس بالنميمة .. ولو سكت فهو حقير القيمة وضيع المنزلة وإذا انتهت الحياة على ذلك فما أسوأ المصير في الدنيا قبل الآخرة.