سماحة الإسلام ونبذ الغلو

سماحة الإسلام ونبذ الغلو

بقلم : دكتور / محمد سعد النادي الأزهري

اختار الله لأمة الإسلام منهجها ، فهي وسط بين الأمم و طريقها هو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ، قال تعالى: “وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ و يكون الرسول عليكم شهيدا”. فهي أمة الوسطية التي تسعى لتحقيق مبدأ التوازن الذي تقوم عليه سنة الله في خلقه .

وقد أمرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن نستقيم على أمره الذي شرعه لنا؛ فقال جَلَّ جَلاَلُهُ مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ ؛ فالشرع لم يُوكل إلى عقولنا، ولا إلى أهوائنا؛ ولا إلى اجتهاداتنا، بل اتباع لما جاء في الكتاب والسنة وكفى؛ وفهمهما الفهمَ الصحيح؛ فهم الصحابة والسلف الصالح.

ومظاهر الوسطية في الإسلام متغلغلة في جميع شعائرهوفرائضه، من عقائد وأحكام وعبادات ومعاملات وعلاقات .

والخروج عن هذه الوسطية يؤدي حتما إلى الوقوع في أمر خطير، ألا و هو الغلو أو ما يعرف بالتطرف، و قد حذر النبي صل الله عليه وسلم من هذا الأمر الذي فتك و لا يزال يفتك بالأمم التي تحيد عن الوسط ، ففي حديث ابن عباس (رضي الله عنهما) أنّ النبي صل الله عليه وسلم قال: “إياكم و الغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين”

لأن الغلو (التطرف) شجرة خبيثة إذا نمت نمت معها أشواكها الحادة ،ومن أشواكها الحادة التنازع والتدابر والبغضاء وغالبا ما يصل الأمر إلى سفك الدماء؛ لأنّ المغالي (المتطرف) يرى نفسه أنه وحده السالك لمنهج الحق والصواب وأنه بذلك صاحب الشرعية والمشروعية  وإصلاح أحوال الأمة مهما تكن الوسائل التي يقتضيها هذا الإصلاح

و من ثمّ جاء النهي من الحبيب صل الله عليه وسلم عن التنطع وهو الغلو في العبادة و المعاملة، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة .

والشريعة لم تأمر إلاّ بما فيه يسر و سماحة و نهت عن التشدد و التنطع في الدين، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : “هلك المتنطعون قالها ثلاثا” أي “المتعمقون الغالون المتجاوزون الحدود في أقوالهم و أفعالهم .

ولا سبيل إلى القضاء على الغلو الحقيقي في الدين .. إلا بتمكين العلماء الربانيين العاملين المخلصين من القيام بواجبهم في الدعوة إلى الله ، وَفقَ أُسس صحيحة متوازنة ، ومن خلال رؤية صافية لحقيقة الدين الحنيف ، وبأساليب نابعة من الكتاب والسنّة .