بناء الأوطان من الإيمان
بقلم : د/ محمدي عبد البصير حضيري الأزهري
(بناء الوطن داخليا)
لغة العصر الحاضر وسياسته في الأنظمة الحديثة الوصول إلى الدرجة المثلى في بناء الوطن داخليا وخارجيا، ولأهمية هذا الموضوع أتناوله من جانبين:
أعطى الإسلام لهذا المصطلح أهمية كبيرة لدوره في بناء الوطن خارجيا، وإذا كان الإنسان هو أساس المجتمع ولبنة بنائه فإن الإسلام قد أخذ بالوسائل الموضوعية التي تقضي على السلبيات التي تقف حائلا في سبيل الوحدة بين أفراد المجتمع، وفي نفس الوقت تغذي الإيجابيات التي تدفع إلى بناء الجبهة الداخلية للوطن بناء قويا في نواحيه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية وصولا إلى أمن الوطن وسلامته داخليا، وأهم هذه الوسائل حثه على احترام الذات الإنسانية لكل أفراد المجتمع بعيدا عن اللون والجنس والمال، يقول تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ويقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: “لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى” وقال لمن عيّر غيره قائلا: “يا ابن السوداء !” “إنك امرؤا فيك جاهلية”، لأنه يهدم بناء المجتمع والوطن من الداخل بهذا الفكر المتطرف المنحرف، ومن الوسائل كذلك علاج أسباب المشاكل الداخلية التي تقف حائلا في وجه البناء الداخلي للوطن، فجاء حث الإسلام واضحا في علاج ظاهرة الحرمان بكل صورها المختلفة بدءً من الحرمان من الحرية، فنادى بعتق الرقاب لتوسيع دائرة التفكير المستنير بقوله تعالى: “فك رقبة”، كذلك حث المسلمين على تأمين احتياجات أفراد الوطن من مستلزمات الحياة الضرورية، يقول تعالى: “ألم يجدك يتيما فآوى* ووجدك ضالا فهدى* ووجدك عائلا فأغنى* فأما اليتيم فلا تقهر* وأما السائل فلا تنهر” ويقول تعالى: “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا” ويقول الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم-: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جوعان” وكذلك دعوته إلى عيادة المريض والتهنئة في المسرات والمساعدة في المضرات التي قد تصيب بعض أفراد المجتمع،”وما أجمل الإسلام وهو يضع أسباب وحدة الجبهة الداخلية للوطن، وهذا ما نجده في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه” وما أجمل فريضة الزكاة وهي تعالج كثيرا من هذه الثغرات بل وتقضي عليها، كما أن الإسلام وضع كثيرا من الحلول التي تضيف رصيدا ماليا كبيرا إلى جانب الزكاة يساعد في علاج كثير من السلبيات فهناك الصدقات والكفارات والنذور والأوقاف وغيرها من أعمال الخير والهبات، كما أولى الإسلام عناية خاصة للتعليم والثقافة نظرا لأهميتها في علاج الجهل والأمية الفكرية وفي علاج التطرف والإرهاب الذي يقوض بناء المجتمع ويضعف الوطن، يقول تعالى: “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” ويقول سبحانه: “فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذورا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون” وقد لمست السنة النبوية هذا الجانب لخطورته على أمن الوطن الداخلي، وذلك في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: “ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهون جيرانَهم ، ولا يُعلِّمونهم ، ولا يَعِظونَهم ، ولا يأمرونهم ، ولا ينهونهم ؟ ! وما بالُ أقوامٍ لا يتعلَّمون من جيرانِهم ، ولا يتفقَّهون ! ولا يتَّعِظون ؟ ! واللهِ لَيُعلِّمَنَّ قومٌ جيرانَهم ، ويُفقِّهونهم ، ويعِظونهم ، ويأمرونهم ، وينهونهم ، ولَيَتَعَلَّمنَّ قومٌ من جيرانهم ، ويتفقَّهون، ويتَّعِظون، أو لأُعاجِلنَّهم العقوبةَ…” وبالنسبة للجانب السياسي نجد الإسلام ينهي عن الفرقة والخروج على الجماعة ويحث على التواصي بالحق والصبر والتعاون على البر والتقوى والبعد عن الإثم والعدوان، وبهذه الوسائل الإيمانية يرتفع صرح الوطن ويعلو بناؤه وتزداد قوته وتقوى شكيمته فلا يعتدي عليه عدو ولا ينتهك حرمته جاهل، فالبداية من الداخل، والأثر يظهر في بناء المجتمع خارجيا وهو ما نكمل فيه الحديث إن شاء الله تعالى.