الوفاء خلق نبوي
بقلم : دكتور عبد المحسن جمعة الأزهري
إن الوفاء قيمة إنسانية نادرة ، وهوقيمة أخلاقية عظمى أيضا ، ولذلك قالوا : الوفاء أخو الصدق والعدل ، والغدر أخو الكذب والجور . والوفاء مما يختص بالإنسان ، فمن فقد الوفاء فقد إنسانيته . ولقلة وجوده في الناس يقول الله تعالى ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد ..) ا لأعراف ( 103 )
والوفاء يكون بالعهد : أي بما عاهد عليه الإنسان ربه فيما أحل وحرم .
ويكون بالعقد : أي فيما يكون بين الناس من العقود .
ويكون بالوعد : وهو أن يصبر الإنسان على أداء ما وعد به غيره ويفعله من تلقاء نفسه لا خوفا ولا طمعا .
والوفاء من صفات الباري سبحانه وتعالى . يقول جلت صفاته : ( ومن أوفى بعهده من الله ) التوبة ( 111) .
وهو أيضا من صفات الكاملين من البشر , وأكمل البشر هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , قال تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام (وإبراهيم الذي وفى ) النجم ( 37 ) وعن سيدنا إسماعيل ( إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ) مريم ( 54 ) وأما سيد البشر صلى الله عليه وسلم فذلكم هو النموذج الأكمل في الوفاء فحينما جاءه حذيفة بن اليمان مسلما ، وكان المشركون قد أسروه هو وأباه واشترطوا عليه ألا يقاتلهم مع المسلمين في بدر , فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( نوفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم ) ونهاه أن ينقض عهده مع المشركين .
وقد كان الوفاء من مكارم الأخلاق في الجاهلية ، فجاء الإسلام وأقر الناس عليه ، ووعدهم جزيل الأجر وعظيم الثواب ، قال تعالى ( وأوفوا بعهد الله إذاعاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها… ) النحل ( 91 ) ، وقال ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) الإسراء ( 34) .
وقد جعله الله تعالى من علامات الإيمان وسمات المؤمنين حيث قال يخبرنا عنهم ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا… ) البقرة ( 177) وقال ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) المؤمنون (8)
ومن أفضل صور الوفاء , الوفاء للأوطان , فللوطن على أبنائه حق عظيم , يتحقق بحبه والانتماء إليه , والحفاظ عليه , وتفديته بكل غال ورخيص ، وعدم تركه نهبا لذوي الأفكار المنحرفة , والعقول التي تهدم ولا تبني , وتدمرولاتعمر ، وقد قالوا : إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى وطنه .
قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق