الرد على الشبهة المثارة حول التكرار في القرآن
بقلم :د/ محمد الراسخ الأزهري
في القرآن الكريم قصص تكررت أكثر من مرة ، وآيات ترددت في مواضع عديدة ، وألفاظ وردت في مواطن متعددة . وبينما اعتبر البيانيون والمنصفون التكرار في البيان القرآني مزية بيانية ، وقيمة بلاغية ، وسموا تعبيريا ، وأسلوبا فنيا عاليا ، استنكر فريق آخر من المشككين وأصحاب العقول المريضة ظاهرة التكرار ، وجعلوه دليلا على الضعف والنقص في البيان القرآني ، وجعلوه تهمة للقرآن ، وشبهة تثار حوله ويقولون : إن القرآن إذا حذف منه المكرر لم يبق منه إلا القليل . تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا .. وللرد على هذه الشبهة نقول : إن التكرار في القرآن الكريم أمر موجود لاشك في ذلك إلا أنه ينبغي أن يعلم أن التكرار الواقع في القرآن الكريم يباين التكرار الكائن في – كلام البشر ، إذ إن هذا الأخير لا يسلم عادة من القلق والاضطراب ، ويعد عيبا في الأسلوب يعاب عليه الكاتب . والتكرار في كلام االله سبحانه ليس هو التكرار المعهود والمذموم في كلام البشر ، إذ هو تكرار محكم ذو وظيفة يؤديها في النص القرآني ، يعرف ذلك كل من خبر طبيعة النص القرآني وخصائصه ، ونستطيع أن نقول : إن التكرار في القرآن يؤدي وظيفتين اثنتين ، الأولى : وظيفة دينية ، غايتها تقرير وتأكيد الحكم الشرعي الذي جاء به النص القرآني ، أما الوظيفة الثانية للتكرار ، فهي وظيفة أدبية تتمثل في تأكيد المعاني وإبرازها وبيانها بالصورة الأوفق والأنسب والأقوم ومن الأمثلة على ذلك : ما جاء في سورة الرحمن ، فقد تكرر فيها قوله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) حيث المقام في هذه السورة كان مقام تعداد عجائب خلق االله ، وبدائع صنعه ، ومبدأ الخلق والمعاد ، وذكر النار وشدائدها ، ووصف الجنان ونعيمها ، فاقتضى كل ذلك هذا التكرار للآية الكريمة ، وتنبيهاً على نعم االله ، وتقديرا لموجد هذه النعم حق قدره ، وحثا على شكره. ومن هنا نجد أن ما يعتقد أنه تكرار في القرآن ليس من قبيل التكرار المردود ، لأن التكرار المردود يكون فيما لو حذف المتوهم تكراره ما نقصت الغاية ، وما اختل بيان المقصد ، وتكرار القرآن ليس على هذا بل هو تكميل لابد منه ، وتتميم لا يستغنى عنه ، فما تكرر من قصص القرآن ليس من التكرار الآلي الممل الذي يخل بالفن ويعيبه النقاد ، لأن الحقيقة الواحدة يطالعنا بها القرآن في مواطن مختلفة ولكن في أثواب جديدة مع تصرف بارع في صيغ التعبير وطرق الأداء وإعادة الكلام في الموضوع الواحد مع التنويع والطرافة والتجديد ، وهذا وجه من بلاغة القرآن وإعجازه .