التيسير ورفع الحرج

التيسير ورفع الحرج

بقلم : الدكتور:محمد عبد العزيز خضر الأزهري

اختص الله الدين الإسلامي بالسماحة والسهولة واليسر لأنه أرادها رسالة للناس كافة، والأقطار جميعا، والأزمان قاطبة،ورسالة هذا شأنها – من العموم والخلود- لابد أن يجعل الله الحكيم في ثناياها من التيسير والتخفيف والرحمة، ما يلائم اختلاف الأجيال، وحاجات العصور، وشتى البقاع.

ولهذا فقد وردت آيات كثيرة تبين أن الدين الإسلامي دين يسر، وأن الله تعالى قد وضع عن عباده الحرج والضيق وأنه لم يكلفهم إلا وسعهم.

منها قوله تعالى: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”وقوله تعالى:”وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” وقوله تعالى:”لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” وقوله تعالى:”يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا” فقد دلت هذه الآيات الكريمة على أن الله سبحانه وتعالي يراعى في تشريعه للأحكام اليسر ورفع الحرج، وأن التكليف مطلوب  في حدود استطاعتهم وطاقتهم، تيسيرا عليهم وتخفيفا، وأن التيسير يعد خاصية بارزة من خصائص الشريعة الإسلامية التي وصفها الله تعالى بالوسطية.

وفى السنة النبوية المطهرة توجد أحاديث كثيرة تبين يسر هذا الدين وسماحته.فهديه -صلَّى الله عليه وسلَّم-أنه إذا كان في الأمر خيار اختار الأيسر، فما عرض عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمران إلا اختار أيسرهما. كما جاء في الصحيحين.

وكان -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا لاحظ تشديدا قوّمه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وكان

 يرقب صحبه الكرام فإذا رأى منهم ميلا إلى التعسير ردّهم إلى التيسير، وأرشدهم إلى الأخذ بالرفق، وقد وجّههم إلى هذا المنهج توجيها عاما عندما قال لهم:”يسّرو ولا تعسّروا بشّروا ولا تنفّروا” رواه البخاري.

وحذرهم من التشدد حين قال:” لا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم” رواه أبو داود.

وهكذا كان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقوّم ميل بعض النفوس إلى مجاوزة جادة الطريق ويتمها على الاعتدال، لتحقيق اليسر الذي يتصف به هذا الدين.

فكل عمل كان مؤدّيا إلى الخلل في العامل، بأن يعذّب الإنسان نفسه، أو يمنعها عن لوازم الحياة فإنه يعتبر شرعا مشقة، ويجب درؤه، لمنافاته منهج الوسط، وجنوحه إلى الغلو في الدين، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فكل شيء يتأذى به الإنسان ولو لم يُردّ إلى كتاب ولا سنة، يعتبر غير مشروع.

فلم يكن هذا الدين للشقاء و العذاب والآلام، إنه رحمة، ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- رسول الرحمة” وما أرسلنك إلا رحمة لّلعالمين:وهو نعمة كبرى، ولذالك كان يسرا، وحرى بالمسلمين أن يفقهوا هذا اليسر ويعيشوه فى واقعهم، يقول عليه الصلاة والسلام: “أيّها النّاس إنّكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سدّدوا أبشروا” رواه أبو داود.

ولا يظنن ظان أن اليسر يعنى الانفلات من ضوابط الشرع، والتعدي على حدود الله، فذلك ليس يسرا، بل هو عبث، إن اليسر هو التزام بأحكام هذا الدين كما أرادها رب العالمين    ثم التعامل مع هذه الأحكام والتشريعات وفق منهج اليسر الذي نستبين معالمه من خلال المنهج النبوي الكريم، وبالله التّوفيق.