التسامح في الإسلام

التسامح في الإسلام

بقلم : دكتور محمد خالد فؤاد الأزهري

لم تعجبني كلمة أحدهم وهو يؤكد أن التسامح في الإسلام كان خالياً من التطبيق، وهو بذلك قد تجاوز الحقيقة، إن الله جل شأنه يقول ((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ…)) إن الله جل شأنه أختار كلمة  (البر) أقدس الكلمات منها (بر الوالدين ) فالبر لغير المسلمين- والأية هنا للمشركين – مطلب شرعي و في القرآن الكريم ((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)) وإن صاحبا ادعى أنه لم يرد في تاريخ المسلمين هذا التسامح فالبخاري يروي واقعة أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت عليّ أمي وهي مشركة ..، فاستفتيت رسول الله ﷺ ، قلت إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال : نعم صلى أمك.

وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان يحسن معاملة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فكان يزورهم ويكرمهم ويحسن إليهم ويعود مرضاهم.

و من التسامح الديني أن استقبل وفد نصارى نجران في المسجد، فلما حان وقت صلاتهم سمح لهم أن يصلوها بالمسجد رغم  أن  المسلمين أرادوا منعهم، لكن الرسول سمح لهم بأداء الصلاة.

وسجل أبو عبيد في “الأموال” عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله ﷺ تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود، فهي تجرى عليه” إنها بمثابة وديعة مالية تنفق عليهم. وحين رأى جنازة يهودي وقف لها قائما: قالوا إنها جنازة يهودي، فقال عليه الصلاة والسلام “أليست نفساً”؟!

أما صحابة رسول الله ﷺ فقد طبقوا هذا بالفعل فعمر رضي الله عنه أمر بصرف معاش دائم ليهودي والى  أولاده من بيت مال المسلمين ، وحين حضرت عمر بن الخطاب الوفاة قال على فراش الموت “أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرا، ولايكلفهم فوق طاقتهم. وابن عمر كان جاره يهودياً فكان يعطيه من الأضاحي ومن الصدقات ، ولما ماتت أم الحارث ابن أبي ربيعة وهي نصرانية فشيعها أصحاب رسول الله ﷺ.

أما التابعون والأئمة والفقهاء فلم يبتعدوا من هذا الخط الدعوى مطلقاً وكان جابر بن زيد “يفتى بوضع الصدقة للمساكين وأهل ذمتهم.

ويذكر التاريخ أن قازان ملك التتار الذي أغار على الشام في أواخر القرن السابع الهجري وأول الثامن، أسر أعدادا كبيرة من المسلمين ومعهم أهل الذمة من اليهود والنصارى، فذ  هب شيخ الإسلام ابن تيمية مع العلماء وفك أسرى المسلمين فأخذهم ثم طالب بأسرى النصارى واليهود فقال له ملك التتار قد أخذت أسراك مالك وأهل الكتاب؟ فقال: هم أهل ذمة المسلمين ولا ندعهم … وغير هذا من المواقف التى لايتسع المقام لذكرها.. لكن يظل التسامح موجودا، وتظل المواطنة معترف بها يظل أهل الذمة في عين المسلمين ومسؤوليتهم.