التسامح الديني في الإسلام
دكتور/عبد الرحمن حماد الأزهري
من القيم الإنسانية التي جاء بها هذا الدين وقررها القرآن الكريم التسامح مع المخالفين له في الدين والعقيدة، والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بضوابطه، وعدم إجبارهم على الدخول فيه، بل يترك لهم حرية الاختيار دون انتقاد أو استهزاء أو تخويف أو تهديد من أحد من أتباعه، ومن ثم يعطيهم فرصة للتفكير والنظر والتدبر والمعاودة والمراجعة وسلوك سبيل الهداية وطريق الاستقامة..
إن الاعتزاز بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، والتمسك بعروتها الوثقى، لا يعني التعصب ضد الآخرين، والتنكر لحقوقهم، وإضمار البغضاء والعداوة لهم، بل يغرس الإسلام التسامح مع الآخرين؛ وسورة الكافرون في آخر آية منها تمثل كرم وتسامح الإسلام: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فلكلٍ دينه الذي يرتضيه لنفسه، ويتدين به، ويسأل عنه يوم القيامة أمام الله عزوجل، ويتحمل مسؤوليته في الدنيا والآخرة، وهذا أمر مستحسن لإبقاء جو السلام والتقارب والتفاهم والتسامح بين أتباع الديانات أفراداً أو جماعات متباينة المبادئ والآراء أو غيرها ،ومن مظاهر التسامح في الإسلام العدل والإحسان والرحمة والاعتدال ونبذ التعصب والتشدد، فالإسلام دين الرحمة والتعاطف والتراحم والتآزر والتضامن والتكافل والتعايش السلمي حتى مع غير المسلمين..
ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم متسامحا حتى مع غير المسلمين؛ فكم مرة ترك عقابهم، وتحمل منهم الأذى والإساءات وصبر عليهم.. بل إنه صلى الله عليه وسلم لم ينتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله عز وجل
لقد احترم الإسلام حرية العقيدة، ونفى أن يكون الإكراه طريقاً لاعتناق الدين، ومنع المؤمنين أن يُكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام، فقال تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ” وقال سبحانه وتعالى: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ“.
فالاختلاف في الدين واقع بمشيئة الله وقدره؛ وهو ما أكده القرآن الكريم حيث قرر أن الهداية القلبية ليست من وظيفة الرسل، ولكن الله يهدي قلب من يشاء متى قدم بين يدي الله أسباب الهداية.. بمعنى أن الهداية على نوعين:
1ـ هداية دلالة وإرشاد.. وهذه للمخلوق..
2ـ هداية توفيق وإلهام.. وهذه للخالق ــ سبحانه وتعالى ــ وحده..
وقد رفع القرآن الكريم عن النبي صلى الله عليه وسلم الشعور بالحرج والضيق من امتناع البعض عن الاستجابة والهداية، فخاطب الله نبيه في آيات عديدة قائلاً: “لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ” .