التسامح الدينى ضرورة شرعية وأخلاقية
بقلم : د.محمد عبد الظاهر محمد الأزهري
تعرض الإسلام والمسلمون في السنوات الأخيرة لحملة ظالمة من الافتراءات والمزاعم الكاذبة التي حاولت أن تلصق بالإسلام تهم التعصب والإرهاب، وعدم قبول الآخر وغير ذلك من دعاوى لا أصل لها في الإسلام ولا سند ، مستغلين بعض التصرفات التى تصدر عن بعض الجهلاء الذين ينتسبون إلى الاسلام اسما ولا علاقة لهم به ولا بتعاليمه السمحة لا من قريب ولا من بعيد
فالناظر فى الحضارة الإسلامية التي انطلقت منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان قد ضربت أروع الأمثلة في التسامح والتعايش الإيجابي بين الأمم والشعوب ، ولا تزال تلك التعاليم حية وقادرة على صقل عقل الأمة وتوجيه سلوكها وتعاملها مع كل البشر في كل زمان ومكان.
والتسامح هو : فعل مشترك يدل على التساهل والملاينة والموافقة، وهو في معناه الحديث يدل على قبول اختلاف الآخرين – سواء في الدين أم العرق أم السياسة – ولا يمكن أن يُعَدَّ فضيلة إلا عندما يمكن للمرء ألا يكون متسامحاً. فهو قريب من مفهوم “العفو“كما في قوله”الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “ﱠ آل عمران: فالعافون عن الناس هم المتسامحون مع كل البشر ،ويكتسب التسامح أهمية خاصة إذا كان للناس ذوي القناعات الدينية والإيديولوجية والسياسية المختلفة أن يعيشوا معاً في مجتمع تعدُّدي. وإذا كان العصر الحديث يشهد – ولاسيما في أوروبا وغيرها – بروز مجتمعات متعدِّدة الثقافات إلى مدى يتزايد باطراد، يتحقَّق فيه خلال فترة طويلة تنوُّعٌ في الفوارق الدينية والمذهبية، فإن ذلك يجعل فضيلة التسامح ضرورية إلى أقصى الحدود .ولذلك نص شرعنا الحنيف على التسامح مع مختلفالأديان .
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ “المائدة
فإذا كان هذا مع من خالفك فى الدين والعقيدة فمن باب أولى التسامح مع من خالفك في الرأي والفكر من أهل دينك وبلدك وإن عدم قبولك الآخر وكونك تريد الناس كلهم على رأى واحد إنما هو فكر مصادم للفطرة قال تعالى”وَلَوْ شَاء رَبُّك لَجَعَل النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [118:119″]هود ، أي على هذا النظام خلقهم حسب حكمته وعلمه .فكيف تريد أن تجعل الناس جميعا على رأى واحد وخالقهم أخبر أنهم لايزالون مختلفين“أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ” الملك ، فعلى كل عاقل أن يعرف أن التنوّع بين الناس ما كان انحرافاً ولا شذوذاً ، بل كان من طبيعتهم البشرية ومن أصل خلقتهم الآدمية، فهو ظاهرة ضرورية اقتضتها الفطرة الإنسانية واستلزمتها النشأة الاجتماعية. وإن التنوّع في الطبائع والأمزجة تنوّع إيجابي، فيه ثراء وخصوبة للحياة البشرية وقد أشار القرآن إلى ضرورة هذا الاختلاف ، وإلى حتمية وجوده حتى يتمكّن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار قال تعالى :” ﱡيَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ اتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” الحجرات، فإن الغاية من اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات ومَدَنيات إنما هو التعارف لا التَّناكر، والتعايش لا التناحر، والتعاون لا التَّطاحن، والتكامل لا التقاتل، وبات واضحاً أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ضرورياً ضرورة الوجود نفسه.فهو مطلوب شرعا وعقلا .