الإسلام .وإرساء مبدأ العدل الإلهي

الإسلام . وإرساء مبدأ العدل الإلهي

بقلم : الأستاذ الدكتور/بركات دويدار الأزهري

 أستاذ العقيدة والفلسفة ومقارنة الأديان في جامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء

الاسلام يدعو الناس جميعاً الى الدخول فيه لأنه رسالة الى العالم كله فيقول الله تعالى:(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) والدعوة إلى الإسلام واجب شرعى لكنها يجب أن تكون بالحسنى وأن تبتعد عن أى نوع من الجبر والإكراه، لأن الله تعالى يقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فهذا أمر صريح من الله تعالى بأن الدعوة يجب أن تأخذ طريق الاقناع وان المجادلة يجب أن تبتعد عن كل عنف وشدة.

والإنسان حر فى الطريق الذى يرضاه بشرط أن يستعد لنتيجة اختياره، فهو فى نعيم اذا اتبع الهدى وسيقع عليه سخط الله ان اتبع الضلال، لأن الله تعالى ميزه عن باقى المخلوقات بالعقل، وما دام الداعى الى الله يعرف ذلك فإن الواجب هو ترك الانسان لاختياره دون اجبار على شىء، لأن الله تعالى يقول:(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، ثم وهب الله الانسان العقل الذى ميزه به عن باقى المخلوقات، ثم يرسل الرسل لهذا الانسان العاقل ليبين له الخير من الشر، وبعد ذلك يترك الحرية للانسان لاختيار الطريق دون حجر عليه أو تسلط من أحد، ولهذا نرى الله تعالى ينهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الحَزَن على من لم يؤمن ويتركه لحريته ويبين للرسول أن الإكراه ممنوع فى الدين بقوله تعالى:(أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).

وقد أعطى الإسلام لغير المسلم حقوقه كإنسان حر، ومنها حق الاقامة بين المسلمين وجعل له حق مباشرة طقوس دينه وجعل عبادته محترمة لا يعتدى عليها بل يجب على المسلمين الدفاع عنها ان قصدها معتد من الخارج، وهذه العلاقة الودية التى أوجبها الاسلام بين المسلمين وبين الذين يخالفونهم فى الدين علاقة يجب الحفاظ عليها فلا يحل مال غير المسلم ودمه إلا بحقه، وعرض غير المسلم مصون لا يجوز الاعتداء عليه.

واقتضت حكمة الله سبحانه أن يرجع أصل كل البشر إلى أب واحد وأم واحدة، وهذه أول وأكبر قاعدة فى العدل السماوى، وقال النبى (صلى الله عليه وسلم):(الناس متساوون كأسنان المشط) واذا كان الناس يختلفون فيما بينهم فى اللون أو الجنس أو اللغة إلا أنهم جميعاً سواء امام القانون الالهى.

ولا يجب أن ينتهز البعض فرصة وجود عداوة لاغتصاب حقوق الناس، والقرآن الكريم يقف بالمرصاد لمن تسول له نفسه هذا فيقول سبحانه وتعالى:(وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

فالاسلام يحتم سير العدالة وأخذ مجراها دون نظر الى اختلاف الدين، ونستشهد بحكم الفاروق عَلَى عَلِى بن أبى طالب عندما شكاه يهودى فقال عمر لعلي:(قم يا أبا الحسن فاجلس بجوار خصمك)، ففعل علي وعلى وجهه علامة التأثر، فلما فصل عمر ـ رضى الله عنه ـ فى القضية قال لعلي: (أكرهت يا علي أن تساوى خصم؟ فقال علي: لا لكنى تألمت لأنك ناديتنى بكنيتي فلم تسوّي بيننا، فخشيت أن يظن اليهودى أن العدل ضاع فى بلاد المسلمين).