الأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية
بقلم : د/ عبدالمحسن جمعة الأزهري
منذ بزوغ فجر الإسلام والعالم ما زال يكتشف يوما بعد يوم عظمة وجلال هذا الدين , في كافة المجالات الدينية أو الدنيوية , ومن أبرز الجوانب التي تجلت فيها عظمة الإسلام , وتعد من مفاخره , معاملة الأقليات غير المسلمة في ديار الإسلام , أقليات تخالف المسلمين في العقيدة ، لكنها تشاركهم في المواطنة .وأظهر مثال على ذلك ما كان من أمر صحيفة المدينة , التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم لتنظيم العلاقة بين عنصري الدولة الوليدة – المسلمين واليهود – ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات , فكان من مضمون هذه الصحيفة أن المسلمين واليهود أمة واحدة –أي كيان واحد – وأن اليهود آمنون على أنفسهم وأموالهم , ولهم مطلق الحرية في ممارسة شعائرهم , ولهم النصر على من بغى عليهم , وبينهم وبين المسلمين النصح , والبر والعدل , ما لم يخونوا .
وكذلك كان الحال مع نصارى نجران , فقد أمنهم النبي صلى الله عليه وسلم على دينهم وكنائسهم , وأموالهم , وجعل أمورهم الدينية شأنا خاصا بهم لا يتدخل فيه أحد غيرهم , وجعلهم تحت حماية الدولة لأنهم من أبنائها مثلهم مثل شركائهم من المسلمين .
ومن أعظم صور دمج أبناء الوطن الواحد مع اختلاف الدين , ما كان من باب المصاهرة بين المسلمين وأهل الكتاب , حيث أباح الإسلام زواج المسلم بالعفيفة اليهودية أو النصرانية, مع بقا ئها على عقيدتها , وما يستتبع ذلك من ترددها على معبدها أو كنيستها , وليس لزوجها أن يمنعها من ذلك .
ثم إن هذه الزوجة بالرغم من اختلاف عقيدتها عن عقيدة زوجها تدخل تحت قوله تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) }الروم21{ , ثم ما يستتبع هذه المصاهرة من دخول أقارب الزوجة في دائرة ذوي الأرحام , وما يترتب على ذلك من الألفة بين المسلم وغير المسلم , أي عظمة هذه وأي اعتراف بالآخر , وبحقه في المغايرة الدينية , ألا إن ذلك لا يصدر إلا عن دين عظيم مثل الإسلام لاغير , إيتوني بدين مثل هذا أو أثارة من علم إن كنتم فاعلين .