الأطعمة النباتية المعدلة وراثيا في ضوء الشريعة الإسلامية
بقلم : د/ محمد إبراهيم سعد النادي الأزهري
شهد العالم تطورا مذهلا في مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية التي أدت إلي التعرف علي أسرار الكائن الحي ومعرفة رموز الشفرة الوراثية ونقل الموروثات من كائن حي إلي آخر ، وتعتبر الأطعمة النباتية من الأشياء التي لعبت فيها الهندسة الوراثية دورا بارزا بغرض تحسينها كماً ونوعاً لتغطية الحاجة الملحة للغذاء في ظل الزيادة المطردة لسكان العالم .
والأطعمة النباتية المعدلة هي تلك الأطعمة المنتجة من نباتات يتم فيها إدخال عوامل وراثية ( جين أو أكثر ) من كائن حي آخر إلي التركيب الوراثي للكائن المراد تحسينه وراثيا لإنتاج صفة أو صفات وراثية جيدة مفيدة لهذا الآخر.
ومن الأمثلة علي ذلك نجاح باحث مصري بالمركز الدولي للهندسة الوراثية من إنتاج نوع جديد من الطماطم يقاوم الالتهاب الكبدي الوبائي ، إذ يتم زراعة مصل الالتهاب الكبدي الوبائي في حبات الطماطم لتصبح من مكوناتها الأساسية دون أن يؤثر علي حجم وطعم ثمرة الطماطم ، إلا أن الإنتاج لهذا النوع من الطماطم المعدل وراثيا ما زال غير مفعل من الناحية الإقتصادية وما زال العلماء يسعون إلي تحسين الإنتاج وتطويره ، ولقد حصلت إحدي شركات الأدوية المصرية علي حق إنتاج هذا المصل المزروع وراثيا داخل نبات الطماطم ، وبذلك يكتفي الشخص المصاب بالمرض من تناول ثمرة طماطم واحدة في اليوم لإنتاج الأجسام المضادة للمرض والتغلب عليه .
وأيضا نجح العلماء في أنتاج الأرز المسمي بالذهبي المضاد للعمي وذلك عن طريق إدخال جينات لها القدرة علي تكوين مادة (البيتاكاروتين) وهي المادة الأساسية لتصنيع فيتامين (أ) المسئولة عن الإصابة بالعمى،وغيرها من النماذج الأخرى.
والحكم الشرعي لتعديل هذه الأطعمة وتناولها هو الإباحة لقول الله تعالي: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا } وقوله سبحانه : { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }
فهاتان الآياتان تدل علي أن الله تعالي سخر ما في الكون لمصلحة الإنسان وتلبية حاجاته ، والتعديل الوراثي فيه مصلحة للإنسان فهو سبب لزيادة الثروة الغذائية وتحسين جودتها فيكون مشروعا ، وروى عن أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ” .
فهذا الحديث يدل علي أن الناس أعلم بما تصلح به أمور دنياهم التي لا تعلق لها بالدين كتأبير النخل ، وهذا يقتضي أن التصرف فيما يتعلق بالأمور الدنيوية مباح ما لم يكن ضارا ، والتعديل الوراثي للنبات لا يخرج عن كونه متعلقا المصالح الدنيوية مما يقتضي إباحته ، ولأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، ولاشك أن التعديل الوراثي في النبات فيه تحصيل لمصالح كثيرة تتعلق بزيادة الإنتاج النباتي وتحسينه ، وقلة تكاليفه كما أنه يدرأ العديد من الأمراض مثل مقاومة الأمراض الفيروسية والفطرية والآفات الحشرية .