ادّعاء أن الإسلام يدعو إلى التشدُّد والتطرف، وأن لفظ المسلم أصبح مرادفاً للإرهابي

ادّعاء أن الإسلام يدعو إلى التشدُّد والتطرف، وأن لفظ المسلم أصبح مرادفاً للإرهابي

بقلم : الأستاذ الدكتور/يوسف عامر الأزهري نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف

أما أن الإسلام يدعو إلى التشدد والتطرف فهذا ضد الحقيقة تماماً، والنصوص هنا أبلغ رد على ذلك، فالقرآن ينهى عن الغلو أي التشدد، في الدين، فيقول : { لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ }(81)، ويصف المسلمين بقوله : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطاً }(82) ويأمر رسوله “ص”، والمسلمين قائلاً : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا}(83).

والمتأمل في أحكام الإسلام وتعاليمه يجدها أنها تتميز كلها باليسر والسماحة، يقول اللَّه تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ}(84).

ويبدو هذا بوضوح في الشعائر التي يؤديها المسلم كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وما ينتج عنها من أخلاق التراحم، والتصافي، والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى، يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ }(85).

ويقول الرسول “ص” >الصيام جُنَّةٌ (أي وقاية)، فلا يَرْفُثْ ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم مرتين<(86).

وقد عد رسول اللَّه “ص” من الصدقة : إماطة الأذى عن الطريق، وتشميت العاطس، أي أن نقول له: يرحمك اللَّه، وإلقاء التحية، وردها بأحسن منها، والملاحظ هنا أن تحية الإسلام المتداولة هي >السلام عليكم<.

وفي عهد الرسول “ص” نفسه، فهم بعض المسلمين الدين فهماً خاطئاً، فحسبوه انقطاعاً كاملاً للعبادة، وإرهاقاً للبدن، وانقطاعاً عن الدنيا وخيراتها، فبين لهم رسول اللَّه “ص”، خطأهم في ذلك، وأن الدين الحق هو في الاعتدال بين التعبد والإقبال على الدنيا، ويظهر ذلك بوضوح من الحديث التالي :

>جاء ثلاثة رهط(87) إلى بيوت أزواج النبي “ص” يسألون عن عبادة النبي “ص”: فلما أخبروا بها كأنهم تقالُّوها (أي اعتبروها قليلة) فقالوا : وأين نحن من النبي“ص” ؟ ! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر : أنا أصوم الدهر (أي كل أيام السنة) ولا أفطر، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول اللَّه “ص” فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني(88)<، وهذا ما يقرره القرآن، حين يقول : { وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الأَخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}(89).

والواقع أن الإسلام جاء ليقيم الاعتدال والوسطية بعد التطرف الديني الذي وقع فيه اليهود، حين خالفوا الفطرة بتحريم ما أحل اللَّه لهم، وبإقبالهم على الدنيا وأكل الأموال بالباطل، وكذلك التطرف الذي وقع فيه النصارى حين خالفوا الفطرة بفرض رهبانهم التبتل على أنفسهم والانقطاع الكامل للعبادة، يقول اللَّه تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ التِي أخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّباَتِ مِنَ الرِّزْقِ }(90).

وهكذا يتضح أن التشدد أو التطرف لا يرجع إلى الدين، بل على العكس، إنما يرجع إلى التصور الخاطئ أو المنقوص للدين، وقد نبه الرسول “ص” إلى أن المتشدد في الدين قد ينسلخ منه تماماً نتيجة عدم الفهم الصحيح له :

>عن أبي سعيد الخدري قال : بينما النبي “ص” يقسم الأموال جاء عبد اللَّه بن ذي الخويصرة التميمي فقال : اعدل يارسول اللَّه فقال : ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قال عمر بن الخطاب : دعني أضرب عُنُقَهُ قال : دعه، فإن له أصحاباً، يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية(91)<، ومعنى هذا أنهم يتشددون في أداء الشعائر، ولكنهم لا يدركون مغزاها، وفي مقدمة ذلك : حسن التعامل مع الناس.

أما تهمة الإرهاب التي تلصق حالياً بالمسلمين، فإنها تعتمد على تصرفات قلة قليلة من الأفراد، أو الجماعات التي تسعى إلى تحقيق مصالحها الشخصية بالتستر تحت قناع الدين ـ  والدين منها بريء ـ حتى تحظى بتعاطف المسلمين البسطاء، ولم يعرف من تاريخ النبي “ص” والخلفاء الراشدين والصحابة أن أحداً منهم قتل أي مسالم من أصحاب دين مخالف، أو حمل أحداً على اعتناق الإسلام بحد السيف، ولم يعرف، أيضاً، من تاريخ النبي “ص” وخلفائه أن أحداً منهم قتل مسلماً لمخالفته إياه في الرأي أو مغايرته له في المذهب، ويكفي أن نذكر هنا قول اللَّه تعالى أن : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أحْيَا النَّاس جَمِيعاً }(92)، ويقول الرسول “ص” : >كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعِرْضُه<(93) وفي حديث آخر : >من رَوَّعَ مؤمناً لم يؤمن اللَّه روعتَهُ يوم القيامة<(94) وأيضاً : >المسلمُ من سَلِمَ المُسلمون من لسانِه ويدِه<(95) وقوله تعالى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ، وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأرْض بَعْدَ إِصْلاحِهَا }(96).

كذلك يدعو الإسلام إلى التعايش السلمي بين الشعوب { يا أيُّها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنْثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتْقَاكُمْ }(97)، ويحث المسلمين على أن يعاملوا غير المسلمين بالبر والعدل : { لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِنْ دِيَارِكُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ }(98).

والواقع أن الإرهاب في الآونة الأخيرة يمثل ظاهرة عالمية، أي أنها موجودة في كل المجتمعات، وداخل كل الأديان والمذاهب، لكن أعداء الإسلام يحاولون قصرها على المسلمين وحدهم، وقد اندفع الإعلام الغربي في هذا الصدد، وبخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وظهرت مقولة تدعي أن الإسلام هو العدو التالي بعد الشيوعية، وما أبعد هذا عن الحقيقة والواقع، فهناك حوالي مليار مسلم مسالم يعيشون في شتى أنحاء العالم، وهم حريصون على الأمن والاستقرار، بفضل ما يوجد في تعاليم دينهم من المبادئ التي تدعو إلى السماحة والاعتدال.